Wednesday, February 9, 2011

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} آل عمران: 102.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} الننساء: 1.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} الأحزاب: 70-71.

أما بعد:

فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فإن أشرف وأجل وأعظم كلمة أوحاها الله تعالى على أنبيائه ورسله من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي كلمة التوحيد.. لا إله إلا الله.

وأعظم كلمة نطق بها الإنسان منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام وإلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة هي كلمة التوحيد.. لا إله إلا الله.

وأفضل الذكر.. لا إله إلا الله.
لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب!
ولأجلها إزّيَّنت الجنان.. واحمرت واسودَّت النيران!
ولأجلها شرع الله تعالى الجهاد والقتل والقتال، والسلم والحرب، والولاء والبراء.. وفي سبيلها تُسير كتائب الجهاد والتحرير، ويرخص كل غالٍ ونفيس!

هي غاية الغايات.. لا توازيها - فضلاً عن أن تعلوها - غاية أو مصلحة!

كلمة تعصم دم صاحبها - في الدنيا - وتقيل عنه العثرات، وترفع عنه السيف عند ورود الشبهات!

كلمة بها وعلى أساسها يدخل الناس الجنة أو النار.. فمن وفاها حقها بصدق وإخلاص دخل الجنة، ومن أعرض عنها ولم يوفها حقها، وخالفها دخل النار، وحقت عليه كلمة العذاب.

فهي كلمة تنفع صاحبها مهما كان منه من عمل طالح عدا الشرك، ومن دونها لا ينتفع المرء بشيء ولو كان عنده ملء السماوات والأرض من خير وحسنات!

وهي كلمة لو وزنت بالسماوات والأرض لرجحت عليهن، ولقسمتهن لا إله إلا الله.. كما في وصية نوحٍ عليه السلام - لما حضرته الوفاة - لابنه: " آمرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهنَّ، ولو أن السماوات السبع والأراضين السبع كنَّ حلقة مبهمةً لقصمتهنَّ لا إله إلا الله.." [1].

ومع ذلك لم تتعرض كلمة - عبر التاريخ وإلى يومنا هذا - إلى التشويه والتحريف والتأويل الفاسد كما تعرضت له كلمة التوحيد.. لا إله إلا الله!

فقد تسلطت عليها فِرَق الضلال والأهواء.. ابتداءً من العلمانيين الكافرين، مروراً بالصوفية المنحرفة، إلى أهل الإرجاء والتجهم، إلى بعض جيوب السلفية المعاصرة الذين جندوا أنفسهم وعلمهم للذود عن الولاة والسلاطين المجرمين!

فقد أفرغوها - بكيدهم ومكرهم وتأويلاتهم الفاسدة الباطلة - من دلالاتها ومعانيها ومقاصدها.. وتعاملوا معها مجرد أحرف تردد على الألسن، مع طقطقة حبات المسبحة، في زوايا المساجد..

من دون أن تلامس حرارة القلوب، أو أن يكون لها أثراً فاعلاً في واقع حياة الناس وعملهم!

لم يتعاملوا معها كما أُريد لها أن تكون.. منهج حياة، منهجاً متكاملاً في التغيير؛ تغيير المجتمعات من أوحال الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلم الجاهلية إلى عدل الإسلام، ومن العبودية للمخلوق - أياً كان هذا المخلوق - إلى عبادة الله تعالى وحده.

أفرغوها من حقيقتها وحيويتها ومن الغاية التي أنزلت لأجلها.. وصوروها للناس على أنها مجرد أحرف باردة يتبرك بها عند الذكر أو التلاوة، لا مساس لها بواقعهم وحياتهم وأعمالهم.. ولا ينبغي لها أن تكون!

قلها ولو باللسان مرة.. وليكن منك بعدها ما يكون من عمل.. والتكن بعدها كالوحش الداشر المتمرد على الطاعة والعبودية!

قلها مرةً.. تكن من أهل النجاة والإيمان - في الدنيا والآخرة - وإن لم تعمل بها ولا بشيء من أركان الدين وواجباته!

قلها مرةً.. واعبد بعدها ما تشاء من الآلهة، والأصنام، والطواغيت الآثمين!

وما دمت قد قلتها - ولو مرة في العمر - فأنت في حصنٍ منيع من التكفير، ومن دخول النار.. وأنت فوق أن يُشكك بك وبدينك وإيمانك مهما كان منك من عمل!

هكذا قالوا ويقولون للناس، فانعكس ذلك دماراً وسلباً على دينهم، وعبادتهم، وحياتهم.. فالناس في وادٍ وحقيقة هذا الدين في واد آخر، ومع ذلك فإن كثيراً منهم - بحكم تلبيس مرجئة العصر عليهم - يحسبون أنهم يُحسنون صنعا!

فحظهم من الدين والتوحيد أنهم يتلفظون - مجرد تلفظ - بشهادة التوحيد في المناسبات وكلما طُلب منهم ذلك.. ومن دون أن يدروا شيئاً عن معانيها أو شروطها ولوازمها، أو يُلزَموا في واقع حياتهم وعملهم بشيءٍ من ذلك!

ولما أصبح الأمر بهذه السهولة، وبهذا التسيب والهزل واللامبالاة.. هان على الجميع التلفظ والتستر بها، والإتيان بها كلما طُلبت منهم.. فطواغيت الحكم يتلفظون بها.. والزنادقة الباطنيين يتلفظون بها.. والعلمانيون يتلفظون بها.. وأهل الشرك من عبدة الأوثان يتلفظون بها.. حتى الشيوعيين الملحدين فإنهم يتلفظون بها.. بل ما من كافر وفاجر إلا ووجدناه يتلفظ بها.. وإذا تخاصم اثنان من أهل الفجور قال أحدهما للآخر - على وجه السب والإسكات - وحد الله يا زلمة.. أي اسكت، وكفَّ خصامك!

هكذا يتعامل الناس - إلا من رحم الله - مع التوحيد، وهكذا تُذكر لا إله إلا الله!

وهؤلاء كلهم كما يصور لهم أهل الإرجاء والتجهم - قاتلهم الله! - أنهم مسلمون مؤمنون، ومن أهل الجنة ولا بد.. لا يجوز لأحدٍ الخوض في صحة إيمانهم وإسلامهم، أو رمي بعضهم بالكـفر..

وأيما امرئٍ يفعل فهو عندهم من الخوارج وغلاة التكفيريين!

معتمدين في ذلك على نصوص - لا حجة لهم فيها وهي عليهم لا لهم - يضعونها في غير موضعها، ويُنزلونها في غير منزلها الصحيح، ويحملونها من المعاني والتأويلات الفاسدة الباطلة ما يُخرجها عن دلالتها الشرعية التي أرادها الشارع عز وجل منها!

من هذه النصوص التي سلطوا أهواءهم وأفهامهم السقيمة عليها، قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله دخل الحنة ". فقالوا هذا نص في المسألة يفيد أن من أتى بالقول - مجرد القول - فهو من أهل الجنة!

واستدلوا كذلك بحديث البطاقة الصحيح والذي جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً، كل سجلٍّ مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيُخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة، وما هذه السجلات؟! فقال: فإنك لا تُظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء " [2].

فقالوا - أي مرجئة العصر -: هذا دليل على صحة مذهبنا وقولنا.. وعلى فساد قول مخالفينا في المسألة!

أقول: وهذا كله ليس لهم به حجة، بل هذه النصوص - كما سيظهر للقارئ - هي حجة عليهم وليست لهم!

لذا من قبيل الرد على هذه الشبهة وغيرها من الشبهات التي ينثرها المرجئة وغيرهم بين عوام الناس وجهلتهم.. وقبل أن نُشرع في بيان شروط لا إله إلا الله التي لا بد من استيفائها وتحققها.. لا بد أولاً من ذكر بعض المقدمات الهامة الضرورية كتمهيدٍ ضروري بين يدي هذا البحث، التي توضح كثيراً من المعاني - ذات العلاقة بموضوع البحث - التي ينبغي للقارئ أن يعرفها ويتنبه لها.

راجياً من الله تعالى السداد والتوفيق والقبول.. إنه تعالى سميع قريب مجيب.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم. --------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح الأدب المفرد: 426.
[2] أخرجه الترمذي، وابن ماجة، صحيح سنن الترمذي: 2127 .

No comments:

Post a Comment